باب الصاد { ص }

بنو صخر

بَنُو صَخْرٍ

من طيء(۱) .

كان أحد قراء مجلة «العرب». وجه إلى سؤالاً هذا نصه : .. إلى من يرجع بنو صخر في نسبهم ؟ فقد رأيت في بعض الكتب أنهم من جذام من قحطان فكان جوابي : ينبغي ملاحظة أمور عديدة عند البحث في الأنساب . منها :

(أ) أن الاسم الواحد قد يطلق على عدد من القبائل والفروع .
مثل أسد فهو يطلق على قبيلة عظيمة ، أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ، وكانت تحلّ نجداً مجاورة لطيء من الجنوب ولغطفان من الشرق ، ويُطلق اسمُ أسَد أيضاً على جذم كبير من ربيعة ، أسد ابن ربيعة بن نزار كما يطلق على فروع قبائل كثيرة مختلفة النسب

(ب) أن إطلاق الاسم على عدد من القبائل والفروع كثيراً ما يوقع في الخطا في ذكر نسب بعضها ، بل قد يسبب التداخل في الأنساب وإلى هذا أشار الهمداني في  صفة جزيرة العرب (٢) حيث قال ـ في الكلام على بني جَعْدَة من حمير : ( وبنو جعدة هؤلاء فيما يقال إلى بعض بطون رعين . وهم اليوم يقولون إنهم من جعدة بن كعب ، ولا تعرف هذه البطون في بطون جعدة بن كعب ) ثم ذكر فروع جعدة ابن كعب وقال : ( وكذالك سبيل كل قبيلة من البادية تضاهي باسمها اسْمَ قبيلة أشهر منها فإنها تكاد أن تتحصل نحوها ، وتنسب إليها ، رأينا ذالك كثيراً ) .

(جـ) أن المتتبع لتنقل القبائل العربية في جزيرتهم ، ثم لانتقالهم منها قَلَّ أن يجد أن قبيلة بأسرها أو فروعاً منها اتجهت من خارج الجزيرة من الشام – مثلاً – إلى داخل الجزيرة ، بل العكس ، بحيث أن القبائل تتبع في هجرتها وتموجاتها في الجزيرة اتجاهاً يوشك أن يكون واحداً، وهو السير من الجنوب الغربي نحو الشمال أو من الغرب نحو الشرق . ويستثنى من هذا الأفراد – لا الأسر ولا فروع القبائل ـ فقد ينتقل رجل من الحجاز أو نجد إلى الجنوب مثلا كما يقال عن أنماروأكلب وعنز .

مما تقدم يمكن إدراك خطا القول بأن بني صخر الذين تنسب إليهم أسر معروفة في نجد وفي شمال الحجاز ـ من قبيلة جُذام التي كانت انتقال فروع تسكن الشام ، ولم يذكر المؤرخون فيهما وصل إلينا عنهم منها إلى نجد ، ولا ممن ينتسب إليها من الأفراد ومنشأ هذا الخطا هو مانقل عن الحمداني من أن بني صخر بطن من جذام القحطانية ، مساكنهم ببلاد الكرك من الشام ، وهم الدعجيون والعطويون ، والصوتيون ، وهم أحلاف آل فضل من عرب الشام ، ومنهم جماعة بمصر وقول الحمداني هذا نقله ابن فضل الله العمري في « مسالك الأبصار » ثم نقله بعده القلقشندي في « نهاية الأرب » والسويدي في سبائك الذهب  . والواقع أن الحمداني لم يكن محققاً ولا خبيراً بأنساب سكان الجزيرة ، وإنما كان مُدِير ضيافة ( مهمندارا ) (٣) لدى أحد سلاطين مصر في عهد المماليك ، وكان يدون أسماء من يفد على ذالك السلطان من أمراء العرب ويذكر أسماء قبائلهم ، ووقعت أخطاء كثيرة فيما نقل عنه ، نجدها في « نهاية الأرب» وفي  سبائك الذهب  . ويظهر أن منشأ الخطا في نسبة بني صخر الطائيين إلى جذام أنهم في عهد الحمداني كانوا ينزلون منازل كانت قديماً من بلاد جذام ، في أطراف شمال الحجاز إلى بلاد الشام ( الأردن الآن ) أو أنَّ الحمداني يقصد بني صخر الطائيين ويضاف إلى هذا أن اسم صخر قد يكون يطلق قديماً على فرع من فروع جذام، كما كان يطلق على غيره ، إذ بنو صخر أيضاً بطن من نهد من مذحج منازلهم قرب وادي تثليث (٤) ، جنوب الجزيرة . وهناك بنو صخر أو صخرة – بطن من الأوس من الأنصار ، على ماذكر في نهاية الأرب  .

ولكن أشهر من عُرف ببني صخر هم الطائيون الذين كانوا قبل ظهور الإسلام يعيشون مع قومهم بني طيء في بلاد الجبلين وماحولهما ، ثم باتساع فروع القبيلة توسعت في البلاد وانساحت نحو الشمال فيما بين تيماء وخيبر والشام – كما في  نهاية الأرب  ونجد الهمداني في صفة جزيرة العرب  (٥) يذكر أن ( من الحجر إلى تيماء في دهناء ثلاث مراحل بطان ، يسكن مابين ذلك من طيء بنو صخر ، وإخوتها بنو عمرو بطن من بحتر) .

وجاء في كتاب نسب معد واليمن  لابن الكلبي – وهو مخطوط – : صَخر بن جَرْم – وهو ثعلبة بن عمرو بن الغوث بن طيء . وفي كتاب نصر الاسكندري – مخطوط أيضاً : متالع جبل في بلاد بني جرم ، لبني صخر بن جرم . انتهى

ويذكر المقريزي في كتاب ( السلوك ) (٦) في حوادث سنة ٦٦٦ أن بني صخر وبني لام وعنزة من عرب الحجاز التزموا لسلطان مصر بالزكاة ، فبعث معهم من يقبضها ، وذالك حين استقل الزكاة الواردة من المدينة وياقوت الحموي في معجم البلدان » يقول ـ وهو في الغالب ينقل عن قائل تقدم عصره – : : – . ( العُردة ـ بالضم ـ ماءٌ عِد ، من مياه بني صخر من طيءٍ ، وهو بين العُلا وتيماء وجفر عنزة ، في أرض ذات رمل وجبال منقطعة ) . والعردة هذه لاتزال معروفة شرق العُلا وغرب تيماء ، وهي الآن من مناهل عنزة ، وصلة بني صخر بقبيلة عنزة قديمة ، فقد تجاورت القبيلتان ، ثم انزاحت بنو صخر نحو الشمال وبقيت فروع من قبيلة عنزة في أماكنها القديمة وفي القرن الثامن الهجري نجد بني صخر مسيطرين على طريق الحج الشامي في نواحي العلا ، كما في قول ابن أبي حَجَلة (٧) (٧٢٥ – ٧٧٦)

بــــأرض بهــــا آثــار ناقـة صــالح              ( بنو صخر) السُّرَّاقُ شَرُّ قَبيل

لئن عوقب الماضون في عقر ناقة              فكـم عقروا من ناقة وفصيل

وقد امتدت سيطرتهم على هذا الطريق إلى القرن الثاني عشر الهجري ، ففي سنة ١١٥٥ قاموا بنقل حجاج الشام ، ثم قاموا بحوادث مُحِلَّةٍ بالأمن ، فنهبوا الحجاج ـ كما أوضح ذالك صاحب کتاب حوادث دمشق اليومية  وكما جاء في كتاب  النفح الفرجي  – المنشور في مجلة  العرب (٨) وكان شيخهم في هذا العهد قعدان الفايز .

ويظهر أن الرئاسة بقيت في هذا البيت إلى عهدنا إذ شيخهم منذ عهد غير بعيد مثقال باشا الفايز . ولا يزال في الحجاز من بقايا بني صخرٍ فَرْع كبير ، يُعَدُّ في الأحامِدَة يدعى الصخور ، حدثني أحد الأحامدة وهو ثقة أنهم يرجعون في أصلهم إلى اؤلئك. نكتفي بما تقدم من نصوص المتقدمين المتعلقة ببني صخر وأنهم من قبيلة طيء ، وإخوانهم بنو عمرو الذين كان يضاف إليهم الجوف فيقال جوف بني عمرو ( دومة الجندل ) . وتحسن الإشارة إلى أن من بني صخر هؤلاء بيوت في نجد ، ومنهم في الرّس آل زُهَير، ومن آل زهير هؤلاء : الضويان ـ بالضاد المعجمة ـ والصويان – بالصاد المهملة ـ والدغيم ، والجاسر – المعروفون بالحريش (٩)والمحيا والعُمير والروضان . وغيرهم . وفي بلدة العُلا أسر تنتسب إلى بني صخر أيضاً(١٠) ولقد رأيت في أحد المؤلفات الحديثة لعالم جليل في ترجمة الشيخ إبراهيم بن ضويان نسبة بني صخر إلى جذام ، اعتماداً على قول صاحب نهاية الأرب» فيما نقل عن الحمداني (١۱) . وقد تقدمت الإشارة إلى خطا هذا القول

(۱) العرب ، س ١٢ ص ٤١٥
(٢) صفحة ۱۸۰ من ( منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر ) .
(٣) ترجمه ابن حجر في ( الدرر الكامنة ) وله مؤلف مخطوط في ( دار الكتب المصرية ) ، في أحد فروع اللغة العربية ( البديع )
(٤) صفة جزيرة العرب : ص ٢٥٣
(٥) ص ٢٧٤
(٦) ج ١ ص ٥٦٢ .
(٧) هو و أحمد بن يحيا بن أبي حجلة التلمساني . سكن دمشق ومات في القاهرة . ومن مؤلفاته كتاب منطق الطير ومنه هذا الشعر على ماذكر صاحب الدرر الفرائد المنظمة ص ١٢٧١
 (٨) س ١٢/٣٥٣
(٩) (نسبة إلى جَدَّ لهم يدعى حرباش بن شبيب بن زهير).
(۱٠) انظر فاتحة الجزء الثالث من السنة الثانية عشرة من العرب
(١۱) كما هو في كتاب ( علماء نجد خلال ستة قرون ، تأليف الشيخ عبد الله بن عبدالرحمن البسام ــ في ترجمة الشيخ ابراهيم بن ضويان - وفي كتاب ( كنز الأنساب ) للشيخ حمد الحقيل في الكلام على بني صخر .